كلمة الرئيسة العامّة الأخت ماري أنطوانيت سعاده

كلمة الرئيسة العامّة
الأخت ماري أنطوانيت سعاده

24 كانون الأوّل 2019

غبطة أبينا الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي،
بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة،
رئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان،

باسمِ أخواتي الرّئيسات العامّات والإقليميّات وإخوتي الرّؤساء العامّين والإقليميّين للرهبانيّات وجمعيّات الحياة المكرّسة، أتقدّمُ منكم يا صاحب الغبطة والنيافة، ومن السّادة الأساقفة وهذا الجمع الحاضر، بأصدَقِ التّهاني بمناسبةِ عيدِ ميلادِ ربِّنا يسوعَ المسيح. نجتمعُ معكَم وحولَكم، لنشهدَ لهذه البشرى، بُشرى الخلاص ونُردِّدَ معًا نشيدَ الرّجاء:
“المجدُ لله في العُلى وعلى الأرضِ السّلام والرّجاء الصّالح لبني البشر”
ليلةَ أنشدَت الملائكةُ نشيدَ الفرحِ وبُشرى الخلاص في سَماءِ بيتَ لحم وعلى مسامعِ الرّعاة، لَم يَكُن سلامٌ في الأرضِ بحسبِ منطقِ الأرض، بَل كانَت حروبٌ وضيقاتٌ وصراعاتٌ عسكريّةٌ وسياسيّةٌ واجتماعيّةٌ ودينيّةٌ.
إنّما السّلامُ الّذي أعطاناه يسوع بميلادِهِ، هو السّلامُ الّذي لَن ينزعَهُ منّا أحدٌ، والفرحُ الّذي بشّرَنا به الملائكة هو الفرحُ الحقيقيُّ الكاملُ النّازِلُ من عَلُ، والرّجاءُ الصّالحُ هو الرّجاءُ الّذي يأتينا مِن الصّالحِ ولا صالحٌ إلّا اللهَ وحدَه.
ليلةَ أنشدَت الملائكةُ المجدَ لله، كانَ في الأرضِ مَن يُنشِدونَ المجدَ لقيصر ويتوقّعون سلامًا وعدالةً من بيلاطس ورحمةً من هيرودس.
فجاءَنا سلامُ الله وظهرَ مجدُهُ بينَنا طفلًا صغيرًا مقمّطًا في مذود، هو رجاؤنا وسلامُنا وصُلْحُنا وخلاصُنا.
في الظروف الرّاهنة، هناك قراءاتٌ متعدّدةٌ وعلى مستويات مختلفة. هناك التحاليلُ السياسيّة والأبحاثُ الاقتصاديّة والسوسيولوجيّة. وكلُّها مهمّة وبعضُها ناجعٌ. ونحنُ، أبناءُ الكنيسة، لدينا مع هذا كلِّه، وفوقَ هذا كلِّه، رؤيتُنا الرّوحيّة وقراءتُنا الإيمانيّة، لدينا رجاؤنا بخلاصٍ اسمُهُ يسوع.
نجتمعُ حولَكم يا صاحبَ الغبطة، ومعكم نتأمّلُ كلامَ الملائكة للرّعاة:
“لا تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ”.
كَم نحن بحاجةٍ اليوم إلى سماعِ هذه الكلمات من جديد والتأمّلِ بها. كَم أنّ إخوتَنا في الوطن بحاجة إلى سماعِ كلمةٍ تأتي من السّماء تبشّرُهم بالفرحِ العظيم وتطمئنُهم وتبعثُ في قلوبهم الرّجاء. هُم، ونحن معهم، ننتظرُ الخلاصَ وننتظرُ علامةً، ولكن لا علامةَ لنا إلّا وجهُ الطفلِ الإلهيّ، الكلمة الأزليّة الّذي صارَ جسدًا وسكنَ بيننا ونورُه يُشرِقُ في قلبِ ظلماتِ عالمنا.
كتَبَ قداسة البابا فرنسيس في رسالته “علامة رائعة”: الله نفسه، من خلال الطفلِ الإلهيّ، الّذي وُلِدَ في مغارة الميلاد، يبدأ الثورة الحقيقيّة الوحيدة الّتي تمنحُ الرّجاءَ والكرامةَ للمحرومين والمهمّشين: إنّها ثورةُ الحبِّ والحنان”.
وإنّنا كمكرّسات ومكرّسين مؤتمنون على “الشهادة النبويّة” في عالِمنا، مؤتمنون على استمراريّة ثورة الحبّ من خلالِ صلاتِنا وأعمالِنا وشهادةِ حياتِنا، وبالأخصّ من خلالِ مبادرات التضامنِ نحو الإخوة الأكثر فقرًا والأكثر حاجة، خصوصًا في أيّامِنا هذه. نحنُ مؤتمنون على “تجسّد الابن” من خلال تجسيدِ نظرِ المسيح الحنون الّذي يرى ويرأف، ويدِ المسيحِ االطبيب الّذي يبلسم ويشفي، وأحشاءِ المسيحِ الّذي يحنو على البشر.
ولا بدَّ من أن نشكرَ الله في هذه الظروف على مبادراتِ التضامن الّتي تتضاعفُ في مختلفِ أرجاء الوطن، من أبناءِ الكنيسة، ومن مختلفِ الجماعات والفئات. وهي علامةٌ على أنَّ أرضَنا تنبضُ بالحياة.
وصلاتُنا أنْ يُشرِقَ الطفلُ الإلهيّ، بسمةُ الآب، في أديارِنا وبيوتِنا، وأن يكونَ في قلوبِنا الرّجاءَ الّذي لا يُخيِّب.
وُلِدَ المسيح! هللويّا!

Leave Comment