في غُرَّةِ العام 1937، كانَت عكّار على موعدٍ مع ولادَةِ حُلُمٍ كبيرٍ شغَلَ قلبَ البطريرك الياس الحويّك وعقلَه، وَهُوَ نَشْرُ العلمِ والمَعرِفَةِ في مُجْتَمَعٍ هُوَ بِأمَسِّ الحاجّةِ لِيَدٍ تُنْهِضُهُ وَتُسَلِّحُ أبناءَهُ بِالعِلْمِ وَتَخُصُّ فَتاتَهُ بِاالتَّثْقيفِ لِتَكونَ نواةً لِكُلِّ عائلَةٍ وَمُجْتَمَعٍ ناجِح.

أشْرَقَتْ شمسُ مدرسة مار سمعان في بلدَةِ بيت ملاّت، الجومة. صرحٌ مُتَرَبِّعٌ وَسَطَ هالَةٍ مِنَ الإبداعِ رَسَمَتْها ريشَةُ الخالق، تَغَلْغَلَتْ في حناياه سُنونُ من المعرفة وبينَ ضُلوعِهِ صرخاتُ أطفالٍ زُرِعوا بالقِيَمِ والعِلم فَأثمَروا أربابَ عِيالٍ؛ مِنْهُمُ الطَّبيبُ وَالمُهندِسُ والمُحامِيُّ وَالمُربّي الصّالح وَصاحِبُ البِذّةِ المُرَقَّطة، هامَةُ الوَطَنِ المُجلّلِ بِالشَّرَفِ والتَّضحِيَةِ والوَفاء، وَالأُمُّ القُدوَةُ وَالمِثالُ في التَّضحيَةِ والتّفاني.

مُنْذُ سَنَةِ التَّأسيسِ الأولى تَمَيَّزَت مدرسة مار سمعان بِروحِ العائِلَة، تَعْمَلُ لِمَجْدِ الجودِ الإلهيّ الأعْظَم وَخَيْرِ النُّفوس، فَغَدَتْ أُنشودَةَ مَحَبَّةٍ وَوِحْدَةٍ وَسَلامٍ لأهلِها وَمُحيطِها الّتي هِيَ مِنْهُ وَلَهُ.

ثلاثَةٌ وَثمانونَ سُلَّةً من الخرّيجين نَهَلوا بِنَهَمٍ من مَعينِ هذا الصّرح التّربَويّ وارتَوَوْا من دَفْقِهِ مَعْرِفَةً مُشْبَعَةً بِالحَقِّ مُتَسَلّحينَ بِنورِ العِلْمِ وَنارِ الإيمان، فَطابَت نُفوسُهم ثَقافَةً واسْتِقامَةً وإنْفَةً وَتَواضُعًا، فَعَطّروا عَكّارَ وَفاحَ طيبُهم في كُلِّ أرجائِها وَحَيْثُما حَلّوا على مَساحَةِ الوَطَن وحَتّى أقاصي الأرض.

صَرْحٌ حَمَلَ على منْكِبَيْهِ أجيالاً وأجيال، وَمَشى بِهِم في دُروبِ الحياةِ مَعَ عِنايَةٍ إلهيَّةٍ وَعيْنِ القدّيس سمعان الّتي لا تَغْفَلُ ولا تَنام؛ وَهُوَ باقٍ بقاءَ الدَّهرِ في كَنَفِ العائِلَةِ المُقَدَّسة يُرَبّي على روحِ المَسؤولِيَّةِ وَالمُثابَرَةِ، مُساهِمينَ في بِناءِ مُجْتَمَعٍ صالِحٍ وَوَطَنٍ يَسودُهُ الحَقُّ والخَيْرُ والجَمال.

Leave Comment