حياته
حياة البطريرك الياس الحويِّك
(1843-1931)
الياس بطرس الحويّك، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، إبنُ حلتا البترونيّة في لبنان الشّمالي. وُلدَ في 4 كانون الأوّل 1843. والدُه تادروس عبّود المعروف بالخوري بطرس، وقد سيمَ كاهنًا في 18 تشرين الثاني 1850، ووالدَتُه غرّة طنّوس الحويّك، امرأةٌ قدّيسة عُرِفَتْ بمحبّتِها وتقواها. قبِلَ سرّ العماد في 5 كانون الثّاني 1844 وسِرّ التّثبيت سنة 1856 على يد المطران يوسف المريض. هو البكرُ لِسبعةِ أولاد: الياس، سعدالله، لاوون، مباركة، نورا، مارينا ومحبوبة التي أصبحَت فيما بعد الرّئيسة العامّة لدير مار يوحنّا حراش في كسروان.
وُلدَ الياس في بيتٍ فقيرٍ، متواضع، ونَشَأَ في بيتٍ كهنوتيٍّ، معتصمٍ بالله، متعبّدٍ له، في عائلةٍ من العائلات المارونيّة العائشة “بالسّترة” ومخافة الله، لا تبغي سوى مرضاتِه. تربّى تربيةً صالحةً فيها من الوَرَع وحبٍّ للحقيقة ما أهَّلَه ليُصبِحَ يومًا رجلَ الاستقامة والصّدق والتّواضع.
كان هَمُّ والدِه تعليم أولادِه، إذ إنّ العِلم هو الإرثُ الوحيد الذي رغِبَ في تركِه لهم. فمِن تحت سنديانة القرية، مدرستِه الأولى سنة 1848 تعلّمَ مبادئ القراءة العربية والسّريانية. سنة 1851 انتقلَ إلى إكليريكيّة كفرحَي التي كانت بإدارة الخوري يوسف المعادي، وفيها سمِعَ صوت الرّبّ يدعوهُ للكهنوت. صارَحَ أباه الذي فرِحَ بالخبر على الرّغم من الصّعوبات الماديّة، معتبرًا أنّها نعمةٌ كُبرى يُغدِقُها الله على عائلتِه.
سنة 1859، عرضَ الياس رغبتَه على البطريرك بولس مسعد وهو في زيارةٍ راعويّة الى كفرحي، فقَبِلَ طلبَه بسرور. وما هي إلّا أيّامٌ حتّى انهار جناحٌ من الإكليريكيّة، فكانَ أن انتقَلَ الياس منها الى إكليريكيّة غزير التي كانت بإدارة الأب اليسوعي فيليب كوش (Philippe Couche).
في غزير، تمَيَّزَ الطّالب الياس بتقواه وبتعبّدِه للعذراء مريم، بذكائه الحادّ وتعطّشِه الى المعرفة، بحسِّه النقدّي وبحبِّه للقراءة. ترجَمَ الى العربيّة كتابَ تاريخٍ كنسيّ ومؤلّفاتٍ أخرى أدبيّة. في نهاية العام الدراسيّ (1860-1861) استَحَقَّ ستّ جوائز من بينها جائزة المُثابرة واستطاع أن يُنجزَ في سنةٍ واحدة برنامج سنواتٍ ثلاث، ومعها نالَ نصفَ الجوائز المدرسيّة. سُمّي فكاهةً “أبو فشخة”، لأنّه كان “يقفزُ” الصفوفَ ويباري رفاقَه في ميدان العلم والتّحصيل. مستعيدًا لاحقًا كلّ هذه الذكريات، كانَ الحويِّك يردّد: “ما لك يا هذا ولم تأخذه من الله ؟ وإن كنتَ أخذتَه فعلامَ تتكبّر، هذا كلُّه أوتيتُه من عند ربّي”[1].
ما إنْ أنهى الياس دروسَه في غزير حتّى زارَ الديمان، المَقَرّ البطريركيّ الصيفيّ، معبِّرًا أمام البطريرك مَسعَد عن رغبتِه متابعةَ دروسِه في روما. ولعلمِهِ أنّ القرار لا بدَّ إلّا أنْ يصدُرَ عن روما مباشرةً، كتَبَ الى الكاردينال أليسندرو برنابو (Alessandro Barnabò) رئيسِ مدرسة “نشر الإيمان” (Propaganda Fide) في أيّار 1866 كتابًا أرْفَقَهُ برسالةِ توصية من المعلّم متّى شهوان، فكانَ له ما أراد.
سافَرَ الياس الى روما في 10 تشرين الثّاني 1866 ليتابعَ دروسَه اللّاهوتيّة في مدرسة “نشر الإيمان”، حيثُ تميَّزَ بسلوكِه المثاليّ وبتقواه العميقة، كما وبذكائه وباتّزانه وبمثابرته. في نيسان 1934، نَقَلَ أحدُ تلامذة جمعيّة المُرسلين اللّبنانيّين الموارنة عن سجِلِّ مدرسة البروبغندا ما دُوِّنَ فيه عن الحويّك: “حازَ بذكائِه المُتَّقِد درجةً سامية في تحصيل العلوم وكانَ قُدوَةً بصبرِه وطاعتِه والتّدقيق في القانون”[2]. والسِّجِلّ نفسُه يحمل شَهادةً ثانية عن التلميذ المُتخرِّج: “فتًى وُلِدَ للعظائم” (Juvenis ad majora natus)[3].
مع اقتراب موعِد سيامتِه الكهنوتيّة، كتَبَ إلى والدِه من روما في الأوّل من كانون الثاني سنة 1869: “… يكونُ حينئذٍ تَتِمَّةُ سُرورِكم عندما تُشاهِدُ ألحاظُكم الأبويّة تربيةَ أيديكم على المذبح المقدّس حاملاً بين يدَيه (ولو كان بغير استحقاق) إبنَ الله القدّوس، مخلّصَ جنسِنا الّذي شاءَ أنْ يولَدَ في مثلِ هذه الأيّام من أحشاء العذراء المجيدة”[4]. كانَ يتحضَّرُ لقبولِ سرِّ الكهنوت بإيمانٍ وحبٍّ متّقدَين ومخافةٍ كبيرة، لأنّه كانَ يعي سُمُوَّ رسالة الكاهن وثِقْلَ مسؤوليّتِه، فكَتَبَ: “حقًا إنّه لسامٍ مقامُ كاهِنِ الله وثقيلٌ حِملُه، وليس بقوّةٍ بشريّة يُمكِنُ للإنسان أنْ يُتَمِّمَ ما تطلبُه مرتبةُ الكهنوت الشّريفة، لكنَّ الإتّكال على كَرَمِ المَنّان الذي يُعِدُّ أنعامَه الغزيرة ويوزِّعُها على عبيدِه بمقدار ما تحتاجُ الدّرجة التي دعاهم إليها”. وبالمناسبة ذاتِها، كانَ يدعو أباه ليُوطِّدَ رجاءَه بالرّبّ وليُضاعِف صلاتَه الى العذراء مريم “كي تنعطِفَ بحنوّها الوالديّ نحو ولدِكم وتُرشدَهُ في طريق الخلاص مُنَقِّيَةً قلبَه وروحَه وجسدَه، فيكونَ أهلاً ليَصعَدَ على مذبح العليّ ويجلسَ في منبر القضاء والإنصاف بين الله والخطأة”[5].
غيرَ أنَّ تمامَ الفَرَحِ الذي تَمَنّاه لوالدِه لم يَنَلْهُ على هذه الأرض. ففي 11 نيسان 1869 توفّي الخوري بطرس عبّود الحويّك، وكانَ قد كَتَبَ قبلَ وفاتِه بيومَين الى ولدِه الياس رسالةً يعبِّرُ فيها عن شعورِه بدنوّ أجَلِه وانتقالِه الى الحياة الأبديّة: “لا نَعلم إذا كانَت حياتُنا تنتهي بعد وصول تحريرِنا لِيَدِكم فيقتضي أن تقدِّموا الابتهالَ لله ليعامِلَنا بالرّحمة”[6]. وهكذا، بعدَ أنْ سيمَ كاهنًا في 5 حزيران 1870 على يد المطران يوسف جعجع، مطران قبرس، في كنيسة قلب يسوع في ڤيلا لَنتي (Villa Lanti) في روما، احتفَلَ بقدّاسه الأوّل لراحة نَفسِ أبيه وعلى نيّة جميع المُحسنين إليه. تزامنَ حَدَثُ سيامتِه الكهنوتيّة مع مباشرة أعمال المجمع الفاتيكاني الأوّل أيّام البابا بيوس التّاسع.
في 9 آب من السّنة عَينِها، حَصَلَ على شهادةِ المَلفنة في اللّاهوت. وما أن أنهى علومَه حتّى استَعَدَّ للرّجوع الى الوطن. وكان الكردينال برنابو قد حمَّلَه رسالةً بالإيطاليّة بتاريخ 11 تمّوز 1870 الى غبطة البطريرك مسعد، وفيها: “إنّ ناقلَ كتابي هذا الخوري الياس الكاهن المارونيّ التّابع لأبرشيّة جبيل والبترون قد أنْجَزَ دروسَه اللّاهوتيّة وهو الآن راجعٌ الى مَقَرِّ رسالتِه. وليس لي إلاّ أن أُثني جزيلَ الثناء على ما تركَه من القدوة الصّالحة في المسلِك الذي سارَ عليه مدّة إقامتِه في هذه المدرسة، مُثَمِّنًا المواهبَ السَّنيّة والصفاتِ الجميلة المُزيَّنِ بها عقلُه وقلبُه. وبناءً عليه، فإنّي لا أرتاب بأنّ أعمالَ هذا الرّسول الجديد ستأتي بالنّفع الكبير على أبناءِ طائفتِه”[7].
وبعد أن مكَثَ وقتًا قليلاً في بلدتِه حلتا يَحرُثُ الأرضَ ليُسدِّدَ الديون التي تركَها والدُه، أرسَلَه البطريرك مسعد ليعلِّمَ اللّاهوت الأدبيّ في إكليريكيّة كفرحي. وفي حزيران سنة 1872، عَيَّنَهُ أمينَ سرِّ البطريركيّة في بكركي ومحامي الزواج في الديوان البطريركيّ.
كان الخوري الياس يُنجزُ مهامَّه في الحقل القانوني بالعدالة. لم يدَعْ شيئًا يُثنيه عن مبادئِه، بل كان يَبْحَثُ في تعليمِ الكنيسة وفي قراءاته المتعدّدة عن أفضل السُّبُلِ القانونيّة لحَلِّ القضايا الزّوجيّة عَمَلاً بتَوجيهات الكنيسة وخاصّةً منشور البابا بندكتوس الرّابع عشر فنال رضى البطريرك والمجمع المقدّس. “من أمثلة استقامته في الديوان البطريركي أنّه كان لأحد أبناء بلاد البترون، بلاده، دعوى. وكان يشكو ويتذمَّرُ على مسمَعٍ مِن الملاء بأنّه لا يقدر أن يصلَ إلى غايتِه بحكمٍ لمصلحتِه. فأُشيرَ عليه بالإلتجاء إلى الخوري الياس الحويِّك ليوصِلَه إلى مأربِه ولو عن طريق المال. فأجاب: “لحاه الله إنّي التجأتُ إلى هذه الواسطة فما استفدتُ شيئًا، فهو لا يتَزَحْزَح عن قصده، كالصّخر لا يلين ولم يقبَلْ منّي ما عرَضْتُ عليه من المال الكثير!”. أمّا حكاية الرّجل فإنّه دخَلَ إلى غرفة الخوري الياس في بكركي، وأقفَلَ الباب وراءه. جلَسَ أمام الخوري وأخرجَ كيس نقوده وكان ممتلئًا بالذّهب الوهّاج وقال له: خُذ ما تشاء بل خُذ هذا الذّهبَ كلَّه واحكُمْ لي. فأجابَه الخوري الياس بابتسامة ورزانة: “أرجِعْ كيسَك إلى عبّك” لأنّي إذا أخذْتُ منكَ مالًا وأعطَيتُكَ حقَّك تسبُّني وتقول: قد باعني حقّي بيعًا، وإذا حكَمْتُ عليك تقول: أخذوا مالي وحَكَموا عليّ. وإذا حَكَمتُ لكَ بالظّلم تقول: باعوا ضمائرهم، وأنا اشترَيتُها بمالي. فالأصحُّ أن يبقى مالُك لك ونحن نُجري العدل”[8].
عاشَ الخوري الياس بالبساطة والأمانة لواجب اللّحظة الحاضرة، مُتّكلاً على العناية الإلهيّة، مُتَّبِعًا مقولَتَه الشّهيرة: “الله يدبّر”. كان يقضي وقتَه في الكتابة وفي مطالعة كُتُب القوانين الكنسيّة. وإنْ صودِفَ أنْ تكلَّمَ في أروقةِ الكرسيّ البطريركيّ، كانَ المطران نعمة الدّحداح يردِّدُ مُمازحًا: “تكلّم الصبيّ”.
بعد سبع عشرة سنة من الخدمة الصّادقة في البطريركيّة المارونيّة، أرادَ البطريرك بولس مسعد أنْ يُكافِئَه على غَيْرَتِه وإخلاصِه وأن يُعطي الكنيسة المارونيّة مطرانًا متجرّدًا عن الأرضيات ومكرَّسًا بكليَّتِه لخدمة الله والقريب. في 14 كانون الأوّل 1889 رُقّيَ إلى درجة الأسقفيّة، مطرانَ عرقا شرفًا ونائبًا بطريركيًّا، ممّا سَمَحَ له بالاطّلاعِ عن قُربٍ على المشاكل الكنسيّة والإجتماعيّة، الوطنيّة والعالميّة. أَوكَلَهُ البطريرك يوحنّا الحاج بأكْثَرِ القضايا دِقَّةً وحساسيّةً في البلاد وخارجِها. فأتَمَّها كلَّها بأمانةٍ واتّكالٍ مُطلَق على العناية الإلهيّة. ونَذْكُرُ بعضًا من هذه المَهامّ: قامَ بزياراتٍ دبلوماسيّة عديدة بين فرنسا والسدّة البابويّة، النّمسا والباب العالي. عملَ على إعادة فتح المدرسة المارونيّة في روما وتسلَّمَ إدارتَها في العام 1897 بطلبٍ من قداسة البابا لاوون الثّالث عشر. في العام 1891، استطاعَ أنْ يَحصلَ من الدّولة الفرنسيّة على كنيسة وبيتٍ لبناني- فرنسيّ للموارنة، بالإضافة الى ثماني منحٍ دراسيّة. سنة 1892، أرسَلَهُ البطريرك مسعد إلى اسطنبول حيث استَقْبَلَه السّلطان بحفاوةٍ وتكريم. في العام 1893 مثَّلَ البطريرك في احتفال يوبيل الحبر الأعظم في روما. وبِمَسْعاه، أُنشِئَ المَقَرُّ البطريركيّ في القدس. وفي 15 آب 1895، أسَّسَ جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات ذات حقٍّ بطريكي.
كانَ البابا لاوون الثالث عشر قد طَلَبَ، كما سَبَقَ وذَكَرْنا، مِن المطران الحويِّك إدارةَ شؤونِ المدرسة المارونيّة في روما، غيرَ أنَّ تواجُدَه هناك لم يَطُلْ بسببِ موت البطريرك يوحنّا الحاج ليلةَ الميلاد سنة 1898 وفراغ الكرسي البطريركيّ. فتَوالَت الرّسائلُ تدعو الحويِّك بلجاجة: “الطّائفة والبلاد بحاجة إليك”.
تَرَكَ المطران الحويِّك روما في 27 كانون الأوّل 1898، ووصَلَ الى بيروت في 5 كانون الثاني 1899 متوجِّهًا مباشرةً الى الصّرح البطريركيّ المارونيّ في بكركي. انضَمَّ الى الأساقفة المُجتَمِعين في السّينودس المُنعَقِد يرأَسُه المطران بطرس البستاني. وفي مساءِ اليوم عَينِه، أي في مساء 5 كانون الثّاني، بَدَأَ الاقتراع القانونيّ بحسب قوانين “السّينودس اللّبنانيّ” في كنيسة سيّدة بكركي، وكانَ أنْ انتُخِبَ المطران الياس الحويِّك باتّفاقِ الأصوات، بطريركًا مارونيًّا على أنطاكية وسائر المشرق، في الجلسة الثّانية في 6 كانون الثاني 1899.
على مدى إثنَين وثلاثين عامًا، وهي فترةُ بطريركيّتِه الطويلة، تجَلَّتْ في أعمالِه غَيْرَتُه الرّسوليّة الرّاعويّة باهتمامِه بالتّربية، وبقطاع الصحّة والاستشفاء، والعناية بالأيتام، والدّفاع عن المظلومين. كانَ همُّه الأوّل محاربةَ الأُمِّيَّة والجَهل والمرض والظّلم. في 3 أيّار 1908، دشَّنَ معبَد سيّدة لبنان في حريصا مُكرِّسًا البلاد للعذراء مريم وواضعًا إيّاها تحت حمايتِها. اهتَمَّ بتأسيس وكالة بطريركيّة للموارنة في القاهرة وأرسَلَ إليها سنة 1911 أوّلَ مندوبٍ بطريركيّ مارونيّ. سنة 1913، كرَّسَ كنيسةَ العائلة المقدّسة في عبرين. سنة 1915، التقى جمال باشا في صَوفر ليفاوِضَه في أمورِ المُؤَن الغذائيّة ولتخفيفِ وَطأَةِ الظُّلمِ عَن شعبِه. سنة 1916، أمَرَ أنْ تُفتَحَ أبوابُ الكرسيّ البطريركيّ، وأبوابُ الأديار، أمامَ ضحايا الجوع الذي اجتاحَ البلاد في الحرب العالميّة الأولى. سنة 1919، وبعدَ أنْ نالَ ثِقَةَ جميعِ اللّبنانيّين، مَثَّلَ لبنان في عصبة الأمم في فرساي، مُطالبًا باستقلال البلاد. في الأوّل من أيلول سنة 1920 وبحضورِه، أعلَنَ الجنرال غورو دولةَ لبنانَ الكبير.
في ليلة الميلاد من سنة 1931، رقَدَ بسلام، ودَخَلَ بَيت الآب الذي كرَّسَ له حياتَه وحبَّه وحَيَوِيَّتَه ومَشاريعَه وإنجازاتِه وكلَّ رغباتِ نفسِه البنويّة.
وصَفَه الصحافيّ الفرنسيّ دافيني على إحدى صفحات لوفيغارو (Le Figaro)، قال: “المونسينيور الحويِّك صاحبُ قامةٍ متوسّطة؛ نبيلُ الطَّلْعَةِ، يَقِظٌ وثاقِبُ العَينَين، وِدِّيُّ الشَّكلِ جدًّا. لِحيَتُه البيضاء تُعطيه مَظهرًا وقورًا”[9].
إنَّه صاحبُ العَينَين المُتَّقدتَين، نَبيُّ عصرِهِ، أكَلَتْه غيرةُ بيتِ الله على مثال شفيعِه النبيّ إيليّا (راجع 1 ملوك 19، 10). عيناه نوافذُ قلبِه المُحِبّ وروحِه المُتنَبِّهَة اليَقِظَة، تَراهما تتأمّلان اللّامتناهي كأنّهما “تنظران اللّامنظور” (عبرانيّين11، 27).
إنَّ شهاداتِ مَن عرَفَهُ تُفيدُ بأنَّ الحويِّك هو رجلُ الله، رجلُ الحوار والوحدة، الرّاعي وأبُ الجميع، محامي العائلة، دائمُ الإصغاء إلى حاجات الكنيسة والمُجتَمَع، حاملٌ في قلبِه همَّ العمل الرّسولي والإجتماعي ومُستعِدٌّ دائمًا للعملِ من أجل خير شعبِه.
[1] الأب ابراهيم حرفوش، دلائل العناية الصمدانيّة، مطبعة الكريم، جونيه، 1934، ص 28
[2] الأب ابراهيم حرفوش، دلائل العناية الصمدانية، ص 283:
“Sublimi ingenio, eminenten gradum in scientiis sibi comparandis optinuit.
In patientia, docilitate, pietate ac obervantia fuit ad exemplum”; volum. III I p.85
[3] الأخت ماري كزافييه لحّود، رجل العناية، بدران للنشر، بيروت، 1971، ص 50
[4] الأب ابراهيم حرفوش، دلائل العناية الصمدانية، ص 50
[5] الأب ابراهيم حرفوش، دلائل العناية الصمدانية، ص 51
[6] الأب ابراهيم حرفوش، دلائل العناية الصمدانية، ص 52
[7] الأب ابراهيم حرفوش، دلائل العناية الصمدانية، ص 61
[8] المشرق، مجلّة كاثوليكية شرقيّة، المطبعة الكاثوليكيّة، بيروت، 1932: شباط 1932 “صفحة ذهبيّة من تاريخ لبنان، البطريرك اللبناني الياس بطرس الحويك 1843-1931” عدد 1، بقلم الخوري منصر عوّاد عوّاد، ص 91
[9] لوفيغارو، 23 أيلول 1905
” إنّ العناية الإلهيّة تُدبّر كلّ شيء
بما يؤول إلى مجده تعالى. وأطلب
منكم أن تستمدّوا لي بصلواتكم
النِعَم اللازمة لأظلّ إبن هذه العناية”